الفقراء
الفقراء
إن الوجوه التي نراهافي هذا العمل الذي هو أوّل أعمال دوستويفسكي، سنقع عليها في أعماله الأخرى. إنها وجوه"الفقراء" وأشكال عيشهم. فنشاركهم عذابهم بقدر ما ندرك ما تخنزنه تلك النفوس من قدرة على الحب والتضحية. وفي هذه الرواية سنتلمَّسالأغوار العميقة التي سينفذ اليها دوستويفسكي، والأعماق الميتافيزيقية التي ستذهب إليهارواياته في الغوص عميقاً في أبعاد الشخصية الإنسانية، وخاصة في تصوير حياة الفقراءوالمهمَّشين والدخول إلى عوالمهم النفسية التي ستدور حولها معظم رواياته.فالبَطلان في هذه الروايةمضطهَدان معذَّبان مذَلّان مهانان، يوقع فيهما الأشرار كل أنواع الظلم، ويتحملان منالفقر ما لا يُطاق. فيتحمّل ماكار الذلّ والجوع ويضحّي بكل ما يمكنه الحصول عليه، وهوقليل جداً، في سبيل الفتاة المسكينة التي لا يكاد يراها، ولا يجرؤ أن يزورها مخافةالنمائم. إنه يرتضي لنفسه الحرمان من أجل إسعادها فيرسل اليها هداياه الصغيرة متحمِّلًاالبرد والجوع والإذلال.عبر الفقر الذي يعانيهماكار ديفوشكين يكشف دوستويفسكي عن كل الفقر الذي يحيط به، وحين يهمّ الرجل أن يشكوويتذمر من العذاب الذي يقاسيه الخيرون في هذا العالم، نراه يعود ليتراجع عن الشكوىوالتذمر، مسلّمًا بالواقع، مذعناً لمشيئة القدر، همّه فقط أن يسعد غيره بسذاجة تحملببساطتها روحاً إنسانية مدهشة.