سقوط الملاك
سقوط الملاك
وكأن "سقوط الملاك" قصد بها يوكيو ميشيما سقوط بطله هوندا الذي عاش في فضاء رباعيته "بحر الخصب" كإنسان تنتقل ومن خلال تناسخ روحه ضمن مراحل أربعة، وشخصيات أيضاً أربعة. في هذا المجلد ينهي ميشيما رباعيته لنجد أنفسنا في مواجهة هوندا، البطل المحوري لهذه الرواية، نفسه، الذي وقف شاهداً على كل النهايات، ونهاية رحلة التناسخ الهائلة ذاتها.
وتنفرد رواية "سقوط الملاك" "ثلج الربيع"، "الجياد الهاربة"، و"معبد الفجر"، بأنها كتب بكاملها بعد أن اتخذ ميشيما قراره بإنهاء حياته، بعد الفراغ من رباعيته، ومن ثم فإنها تعكس فلسفته ورؤيته للعالم على نحو أكثر امتلاء وزخماً من أي عمل من أعماله المئة، التي تركها لنا ميشيما في ستة وثلاثين مجلداً تضم أعماله الكاملة. إن الأمر الذي يلفت نظرنا هنا حقاً أن ميشيما يُنهي "سقوط الملاك" بزيارة يقوم بها هوندا إلى معبد جيشو، حيث يلتقي "ساتوكو" بطلة "ثلج الربيع"، بعد أن علا بها العمر، الذي أمضته كاهنة أدارت ظهرها للدنيا، ويصدق "هوندا" عندما يجد أن ساتوكو لا تذكر حبيبها القديم كيواكي، بل أنها تتساءل عما إذا كان قد قدّر لإنسان يحمل هذا الاسم أن يوجد قط، عندئذ يشعر هوندا بأنه إذا لم يكن هناك وجود لكيواكي، فليس هناك وجود لايساو ولاينج سان، تبل وربنا لا وجود لهوندا نفسه، ربما ما مضى كان بكامله حلماً وارتحالا في السديم، وإذا التساؤل المرير الذي يطرحه هوندا في هذا الشأن هل يمكن أن تتلاشى المعتقدات هكذا ليكون لكل امرئ، قرار التفسيرات النهائية لما يجول في فكره انطلاقا من إلهاماته الذاتية!! وينهي ميشيما عمله الصرحي الهائل بخروج هوندا إلى الفناء الداخلي للمعبد، وهناك: "كانت الحديقة خاوية وحدث هوندا نفسه بأنه جاء إلى مكان خلا من الذكريات، ومن كل شيء، تدفق سنا شمس الظهيرة الصيفية، فغمر الحديقة الساكنة".
هي ذي المرحلة تنتهي، ليقابلنا عندها السؤال الأكثر صعوبة، ما هو الجوهر الحقيقي لرحلة يوكيو ميشيما الهائلة؟ ففي صباح 25 نوفمبر 1970 الدموي ذاك، الذي انطلق فيه ميشيما، مع رفاقه إلى مقر القيادة الشرقية للجيش الياباني، حيث لقي حتفه عبر طقوس السيبوكو، ترك الكاتب الياباني، قبل مغادرته داره، قصاصة ورق على مكتبه، كتب عليها "حياة البشر قصيرة، لكني أود أن أحيا إلى الأبد". الآن هل تستطيع، ونحن نقرأ "بحر الخصب" القول بأن ميشيما قد حقق أمنيته... وبعد فإن "بحر الخصب" كون هائل من الغموض والسحر والجمال، ليس الإبحار فيه بالمهمة السهلة، ولكن تلك ، في نهاية المطاف، هي الصعوبة الجميلة حقاً، ربما لأننا في هذا البحر اللجي إنما نعيد اكتشاف انفسنا، بمعنى ما، ونطرح على الإنسان القابع في أعماقنا الأسئلة الأكثر أهمية، المفضية إلى الفضاء الرحب والمدهش، المطل على إمكانية تغيير العام.